top of page
د. ميثم الحربي - تصوير:- بشير عباس

د. ميثم الحربي- تصوير:- بشير عباس

متابعات

هذه الصفحة تهتم بمتابعة الأعمال الفنية التي تجيزها لجنة النشر وتغطية الأحداث الثقافية الجديرة بتسليط الضوء والتي تسجل علامة فارقة في مسيرة الابداع العراقي.

مسرحية "حياة سعيدة"

تهريب الوعي إلى بدلته البيضاء !

تتدهدأُ البلادُ، على هيئة خَبَبٍ وحشيّ، إلى الخشبة. قادمةً من مَغطسٍ لغوي حاد وشديد التنافر، تعاضدَت على خلقه التحولات المتعددة، المفتوحة – أبدًا – على مرحلة لانهائية من الإرهاق؛ فما يدور في وجدان المصحة الاجتماعية الكبرى ليس سوى " فنّ الضجّة ". 
هكذا ندخلُ مع أبطال العمل، إلى بهو الاحتفال، الذي هو عبارة عن مكانٍ مُعادٍ يستقيم على شكل مصحة عقلية، تقشّفَت إلى رواق موحش ورحْبةٍ باردة، عَبَرَتْ – بذكاء – ملل الإشباعات البلاغية المسرحية، وقدّمت – برشاقة - المرثاة النفسية لحياتنا، بعيدًا عن ذلك الدبق العاطفي الذي ملأ الفن بالولولة والنواح.
وبعيدًا – أيضًا – عن وحل الدموع والتهديد بالاستسلام للمُناجاة؛ جاءت لُغة العرض المسرحي، كثيرة المعنى ومُقتصدة البناء.. رقرقة خافتة على هامش الواقع، استمدّت تأثيرها من رهافة الأصيل، وخبرة صناع الحياة السعيدة، وغيرها من الأعمال، حيثُ ضَرّسَتْهم التجارب، وجبلَتْهُم المسارح على اقتراح ممرات خارج البذخ اللغوي وجائحة نفخ الأوداج؛ لإيصال رسائل الفن والمُتعة والجمال بالقليل الدّال.
وعن خصائص، شغل المخرج، كاظم النصّار، والتماس مُحترف الرؤية الإخراجية، بودي أن أقول:
•    يميل إلى استخدام تقنية البطولة الجماعية في عرض المنطوق النصي.
•    يهتمّ إلى جانب تقديم التأويل الجمالي للواقع في أنْ يكون الفن رأيا ووجهة نظر. 
•    تناقش علامته الإخراجية إشكالية بناء مؤسسات عبر أزمة الفرد والمجتمع.
•    يركز في جعل اللغة أداة تعبير عن الحاجات وخفيفة من الشحنة الإنشائية. 
•    ينطلق مُحترفه الشخصي من رصد بانورامي للتحولات المختلفة في المجتمع. 
كما يمكن القول: إنّ كاظم النصّار في " حياة سعيدة "، وغيرها من أعماله السابقة، يقدّم " المسرحية ذات البرنامج "؛ فالمعمار المسرحي – لديه - غير مُطلَق؛ فهو مشدود، وتتنامى فيه الوحدة الشعورية، ضمن حساسية ثقافية ذات نزعة بنيوية تُمثل مرجعا له ونقطة بداية، لا تتنازل عن أهمية السبك، والتماسك الدلالي، والقصدية السردية، وهي بمجموعها تمثل الرّقاب المرمرية للدهشة.
وإنّ أهمية عمل " حياة سعيدة "، ونجاحه، يمثل ثمرة من ثمار الصناعة الجماعية الدؤوبة والمخلصة لتاريخ الفن المسرحي في العراق، الذي تمّ بالتعاون بين نقابة الفنانين العراقيين، ودائرة السينما والمسرح. وقد أبدع فيه، المؤلف المتميز: علي عبد النبي الزيدي، والممثلون: حسن هادي، ولبوة عرب، وعلاء قحطان، وهديل سعد، ود. سعد عزيز عبد الصاحب، في الدراماتورجيا وتصميم الديكور، ومدير المسرح: عبد الأمير الصغير، والفنيون: عباس قاسم في الإضاءة، ومحمد طاهر وجاسم محمد مُساعدو الإضاءة، ومحمد فؤاد في الموسيقى والمؤثرات، ومساعد الصوت: همام حسن، وعلاوي مسلم في تقنيات الخشبة، وحسين علاوي، في تنفيذ الديكور، وفي إدارة الإنتاج، سهيل البياتي. 
لقد فسّرت " حياة سعيدة "، جذور الألم والمُعاناة حيث يعيش مجتمعنا في مصحات اجتماعية، وسياسية، وثقافية، ونفسية... تنكّرت كلها في زي ومفردة " الواقع " الذي كانت له المسرحية تمثيلا للتاريخ والحاضر الذي يُحاصره الملثمون من أمامه ومن خلفه ويمدون الضحايا بأسباب الجنون الاجتماعية والنفسية الذين أرْخَوا اللجام لِلُغة حوارهم على الخشبة وهي تمتلئ بسخرية تستمد مذاقها اللاذع من شُعلة وَعْي يتخفى وراء الليل الأبدي لبناية المصح، وكأنّ ذلك الوعي طار فوق عش الواق واق، مُلاحقا زفافه الحزين عبر سديم الرّنّةِ النحاسية لصافرة الغروب !

bottom of page